سلسلة القواعد الفقهیة: قاعدة القرعة
-
معرفی اثر:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله على آلائه ونعمه ، ونشكره على كرمه ومننه ، فقد منّ علينا بالهداية والتوفيق لدراسة أحكام الشريعة وتعليمها والوصول إلى قواعدها وأصولها ، ومعرفة ما يحتاج إليه الفقيه في استنباط الأحكام الشرعيّة الإلهيّة ، ونصلّي ونسلّم على أشرف بريّته محمّد وآله الطاهرين .
ثمّ إنّه غير خفيّ على البصير أنّ الحوزات العلميّة المقدّسة هي من أشرف نعم الله تعالى علينا ، فلا بدّ لنا من تقويتها واستمرارها وإفاضتها في جميع الأبعاد التي يحتاج إليها النّاس ; ومن أهمّ المسؤوليات الملقاة على عاتقها في هذا العصر الجديد ـ الذي أصبحت فيه الشريعة الغراء مورداً للشبهات الكثيرة التي يثيرها أعداء الدين ، وساحةً لما يستجدّ من أبحاث جديدة ـ التصدّي لدرء الشبهات وللدفاع عن كيان الدين ومؤسّساته ، ولا يتحقّق هذا الأمر إلاّ بالاطّلاع على المسائل الموجودة في العالم حول الدين والفقه ، والتفوّق عليها حسب مرور الزمان ومقتضياته . ولابدّ في هذا العصر من الاستفادة الكاملة والمفيدة من طلاب العلم والفضلاء في الحوزة ، وإحداث اطروحات جديدة للوصول إلى الغاية الأساسيّة وهي الاجتهاد في كلّ شعبة من العلوم الحوزويّة من الفقه والكلام والتفسير والأصول وغيرها ، ولا شكّ أن هذا الأمر يحتاج إلى التنظيم والتنسيق الخاصّ بشكل عامّ وواسع ، وفي هذا المسير المهمّ لأوّل مرّة في الحوزة المقدّسة أُسّس المركز الفقهي للأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بأمر والدي الأعزّ المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (مدّ ظلّه العالي) للتركيز والتمحض في خصوص الفقه والأصول . والغاية القصوى من تأسيس هذا المركز ، الترغيب والتشويق بالنسبة إلى من يكون عنده مراتب من العلوم الحوزويّة ، وتهيئته لإرتقائه إلى ذروتها القصوى وهي الاجتهاد بما له من العرض العريض ونطاقه الرفيع ، ففي هذا المركز الفقهي العظيم مهّدت الوسائل والإمكانات الجديدة لأن يستفيد الفضلاء من منابع الاستنباط أكثر فأكثر ، وأيضاً قد أسّست اللجان الفقهيّة والأصوليّة كلّ منها تحت هداية أستاذ مبرّز من الأساتذة ، وبحمد الله بعد مرور مدّة قليلة من هذه التجربة الجديدة قد وصلنا إلى نتائج طيبة ، ورأينا أنّ هذا الطريق هو السبيل للوصول إلى الهدف الأساسي من الفقه والفقاهة .
وفي جنب هذه اللجان شرعنا في تحقيق بعض البحوث والموضوعات الفقهيّة المهمّة ، التي لها دخل أساسي في الاستنباط ، بجهود جمع من الفضلاء والمحقّقين ، آملين أن نصل إن شاء الله تعالى إلى النتيجة المرتقبة المطلوبة .
والرسالة التي بين يديك أيّها القارئ العزيز قاعدة من القواعد الفقهيّة ، وهي قاعدة القرعة التي هي من المباحث الأساسيّة للفقه ، وهي مرجع للحكم في كثير من الفروع الفقهيّة ، ألّفها المحقّق العلاّمة الحجّة الأستاذ الشيخ حسين الكريمي حفظه الله تعالى ، بعد أن ألقاها لجمع من الفضلاء الموجودين في المركز ، وقد جعل محور البحث في هذه القاعدة ما ذكره المرجع المعظّم المؤسس لهذا المركز في كتابه المسمّى بالقواعد الفقهيّة مع مقدّمات وتحقيقات جديدة وتوضيحات وتنبيهات نافعة حاوية لذكر آراء العامّة والخاصّة واستقصاء الروايات ودفع الشبهات فصار بحمد الله كتاباً جامعاً في موضوعه وسفراً قيّماً في أسلوبه .
ونحن نشكر سماحة المؤلّف على مشاركته ومساهمته في هذا الأمر المبارك ، ولله تبارك وتعالى درّه وعليه أجره . نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا جميعاً في هذا الأمر العظيم تحت راية ورعاية مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء .
وفي الختام نشكر الفضلاء الأماجد في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الذين تعاونوا في إخراج هذا الكتاب .
1 ـ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسين الواثقي ، لإشرافه على مراحل التنسيق والتصحيح والطبع .
2 ـ الأستاذ محسن الأسدي : مراجعة الكتاب وتنسيق بحوثه .
3 ـ حجّة الإسلام الشيخ عبادالله سرشار الطهراني الميانجي ، والأخ الفاضل محمّد مهدي مقدادي لاشتراكهما في المقابلة والمراجعة .محمّد جواد الفاضل اللنكراني
5 شهر رمضان المبارك 1420 -
مقدمه:
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين سيما بقية الله في الأرضين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين .
من الأمور التي لا ريب فيها ولا شك يعتريها ، أنّ لكلّ عصر ميزات خاصة ومقتضيات حافّة به ، وأنّ عصرنا من أكثر الأعصار ميزةً وأشد الأزمان إشكالا بسبب ارتباطات الدول ، واختلاط الاُمم والملل ، والتغييرات الصناعيّة ، والاكتشافات البحريّة والبرّية ، والاختراعات العجيبة والتسخيرات البديعة ، والتحولات العديدة في شتّى الجهات ، ونفوذ سلطة العلم والصنعة إلى أقصى مراحل الأنفس والآفاق ، والشبهات الناشئة من تلك التغييرات والتحولات . كلّ ذلك يقتضي تحوّلا فقهياً تحلّ به المعضلات وتيسّر به المشاكل، وتتبيّن به أحكام الموضوعات المستحدثة .
وهذا هو الذى يستدعي قيام الحوزات العلمية والمراكز الثقافية باستفراغ وسعها لحلّ المشكلات العلمية، ودفع الشبهات الشيطانية ، وتلبية الحاجات الدينية . وإلاّ ينتهي الأمر إلى من لا يكون أهلا لها ، وإلى من لا نصيب له من الاجتهاد ، ولا يكون من أهل الصلاح والسداد فيفتي الناس ، ويصل أمر الدين إلى ما نراه في المؤتمرات ونشاهده في المقالات من إنكار الضروريات والتشكيك في المسلّمات .
ولما انتهى أمر الزعامة الدينيّه إلى مشايخنا الكرام واساتذتنا العظام ـ كثر الله أمثالهم ـ فكان منهم العلم العلاّم واستاذنا الفهّام المرجع الديني آية الله الحاج الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، متعّنا الله تعالى بطول بقائه الشريف . طلبت منه مراراً وراجعته مكرراً أن يؤسّس كلية فقهية لجذب النفوس المستعدة وذوي الهمم العالية للتفقه في الدين حتى يصلوا إلى أقصى مراتب الاجتهاد النافع ، وأعلى مراتب الفقة الناجح ، بهم يدفع إفراط الغالين وتحريفات الضّالين وبدع المضلّين; ليكونوا دعاةً إلى الدين، وحماةً عن حريم أئمتنا المعصومين سلام الله عليهم أجمعين .
فأجابني أيّده الله إلى ما طلبته ، وأقامني لتأسيس ما رجوته ، فأسّسنا بأمره مع جماعة من الإخوان منهم: نجله الشريف الزّكي والعالم الحفي الشيخ محمد جواد الفاضل سلّمه الله تعالى ، مركزاً فقهياً وجامعاً دينياً .
وكنت اُدرّس في لجنة القضاء الإسلامي ، فقصدت إلى تدوين ما ألقيتُ من المباحث في شهررمضان1419 حول قاعدة القرعة. ولمّاكان محور تدريسنا ما ألّفه المؤسس المعظَّم شيخُنا الاستاذ آية الله الفاضل حول قاعدة القرعة ، المطبوع في كتابه القواعد الفقهية ، فجعلت كتابي هذا على ثلاثة أبواب:
الباب الاوّل: فيماكان قبل كلام الأستاذ،وفيه كليات نافعةومقدمات ناجحة.
الباب الثاني: فيما يكون مع كلام الأستاذ، وفيه بعض التوضيحات والتعليقات.
الباب الثالث: فيما يكون بعد كلام الأستاذ، وفيه ما نذكره بعنوان التنبيهات فيما بقي من الأبحاث اللاّزمة .
فصار بحمد الله كتاباً وافياً ومقالا شافياً ، نرجو من الله القبول ، وأهدي ثوابه إلى مولانا وسيّدنا خاتم الأوصياء وبقيّة الأصفياء الحجّة ابن الحسن العسكري أرواحنا فداه .
«اللّهم عجِّل فرجه وسهل مخرجه واجعلنا من أعوانه وأنصاره»قم المقدسة
حسين الكريمي القمّي ـ شوال 1419