إثبات الوصیّة فی صحیح السنّة النبویّة
-
معرفی اثر:
(حديث الطير وحديث المنزلة)
تأليف الأستاذ: الشيخ محمد جعفر الطبسياهداء
إلى الأيمان كلّه
إلى من هو كنفس النبي الأعظم صلى الله عليه وآله
إلـى قسيم الجنة والنار إلى من حبّه إيمان وبغضه نفاق
إلــى من لاجـــواز عـــلى الصــــراط إلاّ مع صــــكٍّ منــــه
إلــى ســــيد الأوصيــــاء وأميــــر المؤمنين والإمام المبين
سيدي ومرتجـــــاي وشــــفيعي عـــلي بن أبي طالب (ع)
أُهــدي هـــــــذا الجـــــــــهد المتــــواضع، راجيــــاً القبــــــول -
مقدمه:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير الخلق أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، لاسيما بقية الله تعالى في الأرضين، واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الله أبداً.
من جملة الأحاديث الشريفة التي ثبت تواترها عند كبار أئمة أهل الحديث من إخواننا أهل السُّنة، حديث الطير، وحديث المنزلة، وحديث الدار، وحديث الغدير، وحديث الثقلين، وحديث السفينة... الخ، وقد رأينا أن نبرزها موثوقة من كتب الحديث المعتبرة عند أهل السُّنة، وذلك لأهمية تلك الأحاديث لكونها معياراً ضابطاً في صحة العقيدة، فهي متواطئة على توكيد خصوصية خاصة لعلي بن أبي طالب عليه السلام في المسلمين، تجعل من ولايته وافتراض طاعته عليه السلام نظاماً للملّة، الذي افتقدته الأمّة بعد وفاة الرسول الأعظم صلی الله عليه و آله ، وله عليه السلام ؛ بتلك التوكيدات النبوية المتواترة، تتمّ الحجة، لأن كل هذه الأحاديث تؤكد على أن الدين لا يكتمل إلاّ بإمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وولايته على الأمّة بعد رسولها صلی الله عليه و آله ، فالرسالة أو النبوة؛ إنما هي تكليف يقع في أفضل الناس، ولمن يخلف الرسالة في تكليفها، لا بدّ أن يكون جديراً بهذا النوع من التكليف قريبا من تكوين النبي العقلي، وسلامة فطرته، وهذا يقين عقلي، يؤكده رسول الله صلی الله عليه و آله ، والوحي المكتوب، نجده في آيات الذكر الحكيم، مثل آية التطهير، وآية إكمال الدين، وآية المباهلة، وآية الولاية... وغيرها كثيرة جداً، وبهذا يتعاضد الكتاب والسُّنة على التعريف بعلي عليه السلام ، الوصي والولي والخليفة والوزير والإمام المفترض الطاعة..
ولسنا هنا في الواقع نزيد في فضل هذا الإمام، الذي أخفى حُسَّادُهُ ومبغضيه مناقبه وفضائله حقداً وغلا، وأخفى محبيه وأولياؤه فضائله ومناقبه تسترا وخوفاً، ومع هذا فقد ظهر من بين هذا وهذا من فضائله ومناقبه ما ملء الخافقين.
و لسنا أيضا بهذا العمل الضئيل في قدر الإمام، أن نُعرِّف رجلاً لا يعرفه إلا الله ورسوله صلی الله عليه و آله (1)، لكنه تعريف بالعقيدة الصحيحة ودين الله الحق، وفي هذا تعريف لنا ولكل من ينصف أهل الحق، فإنمّا للولاية معنى واحد، يتكرّر بفحوى واحدة، يؤكدها النبي صلی الله عليه و آله في كل الأحاديث التي ينقلها إخواننا أئمة حديث أهل السُّنة، والمؤرخون وكُتّاب السِّيَر، والتراجم من أهل السُّنة، بما يلفت النظر إلى تواطؤ مفيد لمعاني ذاتها يؤكدها القرآن أيضاً بخصوص ولاية علي وأهميَّتها في صدق الدين وصحة الاعتقاد.
فالقرآن الكريم، في آيات كثيرة منها، آية التطهير والمباهلة والولاية، أو كما يقول إبن عباس، في القران أكثر من ثمانمائة آية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام تؤكد ذات المعنى، وهو؛ أن الإمام علي عليه السلام كنفس النبي صلی الله عليه و آله مُطهَّر معصوم، ولي المؤمنين، يُحبّ الله ورسوله، يُحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرار، إشترى رضا الله بنفسه عزيز في الناس.
فقد أكد النبي صلی الله عليه و آله منذ بدء البعثة، في حديث الدار المشهور(2) أن علياً خليفته ووزيره، ففيما بعد الهجرة مباشرة، وحين وطئت قدم النبي صلی الله عليه و آله أرض المدينة وبمجرد لحاق الإمام به، شرع بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الثانية للهجرة، أما هو صلی الله عليه و آله فقد إجتبى علياً عليه السلام من بين الجميع أخاً ووزيراً بمنزلة هارون من موسى، وكان يذكر ويذّكر صلی الله عليه و آله بهذه الحقيقة دوماً، وهذا مما أكّدته أمّ سلمة زوجة الرسول صلی الله عليه و آله ، أي بعد السادسة للهجرة... ثم جاء الحديث من غزوة تبوك في نهاية المطاف.
هذا ما سنراه في أحوال وأزمان قول النبي صلی الله عليه و آله لحديث المنزلة متسلسلاً موثّقاً وبألفاظ تدلّ على تكرر القصد منه وتوكيده في الأمّة.
ودعوى إعتراض الإمام علي عليه السلام على تخليفه على المدينة، مثل دعوى تطيب خاطر الإمام بهذا القول، فيه لمز معيب لا يليق بمعنى النبوّة والإمامة، ولا يصدر إلاّ عمن لا يعلم معانيهما، حيث كان الإمام عليه السلام يتفدّى الرسول صلی الله عليه و آله ولا يخاطبه إلاّ بأبي أنت وأمي ونفسي يا رسول الله، فلم يأت الحديث تطيباً لخاطر، وأمير المؤمنين عليه السلام يفهم مقاصد الرسالة وكيف يعترض على صاحبها صلی الله عليه و آله !
وحديث المنزلة من جملة الأحاديث الشريفة التي ثبت تواترها عند أئمّة أهل الحديث؛ وقد صحّح ذلك إمام أهل الحديث إبن عبد البر المتوفى عام 463هـ، والحاكم النيسابوري المتوفى عام405هـ، وغيرهما من أكابر علماء أهل السُّنة، قال الحاكم الحَسْكاني من أعلام القرن الخامس هـ: وهذا هو حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم(1) الحافظ يقول: خرّجته بخمسة آلاف إسناد ([1]).
وحينما كنت أطالع كتاب تهذيب الكمال(2) للحافظ المزي المتوفى عام742هـ؛ رأيته قد نقل عن إسماعيل بن عياش، عن حريز تحريف مدلول الحديث، فعزمت على إستخراج ذلك من أهم كتب السُّنة، ثم إلى ذكر تصريحات أكابر العلماء، ثم إلى موارد نقله، ثم أسماء الذين رووا الحديث، وفي الختام إشارة موجزة إلى توثيق بعضهم.
محمد جعفر الطبسي
حوزة فقه الأئمّة الأطهار عليهم السلام
التابعة لمكتبة آية الله العظمى الفاضل اللنكراني قدس سره ـ سوريا السيدة زينب عليها السلام
22/ربيع الثاني/1429هـ